تعود الأعياد تدق الأبواب بلا أجراس.. لا كنيسة تفتح، ولا جامع يستعد، ولا معبد يضيء.. سكان العالم بين مختبئ ومحبوس خوفا من فيروس!! سكون طال وسحبنا إلى داخلنا نتحاور بهدوء، نفتح فيلم عمرنا ونشاهده وحدنا دون عجلة أو مقاطعة، كنا متمسكين بوهم أن لسه العمر طويل!! أصبحت تسطر على اغلبنا فكرة أن الفيروس بروفة ليوم الدينونة كما هو مكتوب، أنه يأتي كلص في عمق غفلتنا.
المدهش، أن حرماننا من حضور صلوات الصيام الكبير داخل الكنائس، منحنا متعة الانفراد بكنيسة داخل بيتنا، وحضور هادئ واع لاستيعاب رسالة الله لكل البشر من خلال رحلة حياة وآلام يسوع المسيح العجيبة، وخلاصة حياته القصيرة -33 عاما- على الأرض، بدءا من نبوءات أنبياء عاشوا عصورا مختلفة سبقت ميلاد المسيح بمئات السنين، وتنبأوا بأحداث ميلاده وآلامه، ووصفوا ما سيحدث على الأرض من حروب ومجاعات وأوبئة، وكلها لنفس الأسباب!! غياب الحق والعدل والمحبة والرحمة!! والمدهش كونها نبوءات تناسب كل العصور وكل الأجيال، وكأنها فلاش باك مع اختلاف لغة كل عصر!!
نفتش ونلخص، فنرى أن رسائل كل الأنبياء هي عدالة اجتماعية مبتغاها السلام، وألد اعدائها شهوات السلطة والمال وغرور الذات.
والمثير في التوراة مثلا، أن كبار الكهنة معلمي ناموس موسى أنفسهم هم سبب البلاوي، لكونهم منافقين انتهازيين، أجهدوا الشعب بأحمال ثقيلة من الوصايا هم أنفسهم يخالفونها، وأوقعوا عليهم عقوبات ذنوب هم يرتكبونها في الخفاء والعلن!! فأضَلوا الشعب البريء الذي أطاعهم من واقع سلطتهم كمعلمين للناموس.
ومثلا، حياة المسيح على الأرض تنتهي بأسرع محاكمة في التاريخ.. فقد قبضوا على يسوع مساء، وحوكم، وأُدين، ونُفذ حكم القتل صلبا "لإذلاله" في 24 ساعة!! المحاكمة عاجلة لأن المُدعي هم رؤساء الكهنة وكبار المستشارين في إسرائيل، والمدعَى عليه بارا بلا خطية واحدة، إلا أنه صاحب رسالة رحمة وعدل زلزلت عروشهم.. عاثوا فسادا يرهبون الشعب بناموس موسى لاستعباده وليس لصلاحه!! وصفهم يسوع بالقبور، واجهتها رخام يبرق، وداخلها كل نجاسة وعظام أموات، ينافقون الله والحاكم ويخدعون البسطاء، لملء كروشهم وخزائنهم!! فضحهم فأسلموه برشوة تلميذه، وحشدوا لقتله!!
إغلاق الكنائس في ذكرى آلام المسيح، والجوامع في شهر رمضان الكريم، أثناء رفع راية عالمية "خليك في البيت"، هي فرصة نزع أقنعة التدين وفتح بصائر جميع الأطراف.. لأن تزاحمنا بالميكروفونات إلى بيوت الله تحول إلى احتشاد لتجديد "رخصة التدين"، مانحة نعيم ومزايا الدنيا!! والسلوك العام يؤكد أن الخروج من بيوت الله كما الدخول.. النفس أسيرة الشهوات، والعقول مغلقة!!
وأسأل المبصرين، هل يستقيم لشيوخ الدين الفتي في علم مثل الآثار مثلا!! وهل يتفق ذلك مع مناخ تسوده أمية، وميراث طاعة بدون تفكير لكل من ارتدي أي زي ديني!! وهل التزام شيوخنا الأجلاء علما وفقها بتوجيهات مصمم أزياء التليفزيون يضيف أم يسحب من رصيد مصداقيتهم!! يا رجال كل دين، إما تتطوعون للإنقاذ، أو خليكم في البيت، مفيش وقت.
-----------------------------
بقلم: منى ثابت